أشهر قصائده على الإطلاق فتلك القصيدة التي تحدَّث فيها عن شهيد ينتظر إعدامه، يمرُّ فيها بمراحل انفعاليَّة مختلفة تصلُ ذروتها حينما يردِّد اسم أبيه في كل بيت من أبيات هذه القصيدة الرائعة "رسالة في ليلة التنفيذ". على الرغم من أن هذه القصيدة قد ألهمت الجماهير العريضة رُوح الحماسة ضدَّ أي طغيان، فإنها كانت نابعة من نفس تُؤمن بالله إيمانًا عميقًا، وتُصَوِّر للمتلقِّي هذه المعاني الربَّانيَّة الغالية، التي تربَّى عليها هاشم، والتي ظهرت جليَّة في شعره، فأصبحت "رسالة في ليلة التنفيذ" ملءَ السمع والبصر في كل مكان غابت فيه الحرِّيَّة، فخرجت هذه القصيدة نابعة صادقة يُرَدِّدها كلُّ صادق، وها نحن نردِّدها اليوم، يقول هاشم الرفاعي:
أبتاه ماذا قد يخط بناني ؟؟
أبتاه ماذا قد يخط بناني و الحبل و الجلاد ينتظران
هذا كتاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدران
لم تبق إلا ليلة أحيا بها و أحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست اشك في هذا وتحمل بعدها جثماني
الليل من حولي هدوء قاتل والذكريات تمور في وجداني
ويهدني ألمي فانشد راحتي في بضع آيات من القران
والنفس بين جوانحي شفافة دب الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أومن بالإله ولم أذق الا أخيراً لذة الإيمان
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي ولا وضعوه فوق خوان
كلا ولم يشهده صحائفه معي إخوان لي جاءاه يستبقان
مدوا إلى به يدا مصبوغة بدمى وهذه غاية الإحسان
والصمت يقطعه رنين سلاسل عبثت بهن أصابع السجان
ما بين آونة تمر وأختها يرنو إلى بمقلتي شيـــطان
من كوة بالباب يرقب صيده ويعود في أمن إلى الدوران
أنا لا أحس بأي حقد نحوه ماذا جنى فتمسه أضغاني
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبى لم يبد في ظمأ إلى العدوان
لكنه إن نام عنى لحظة ذاق العيال مــرارة الحرمان
فلربما وهو المروع سجنة لو كان مثلى شاعرا لرثاني
أو عاد من يدرى إلى أولاده يوماً تذكر صورتي فبكاني
وعلى الجدار الصلب نافذة بها معنى الحياة غليظة القضبان
قد طالما شارفتها متأملا ً في السائرين على الأسى اليقظان
فأرى وجوما كالضباب مصورا ما في قلوب الناس من غليان
نفس الشعور لدى الجميع وإنما كتموا وكان الموت في إعلان
ويدور همس في الجوانح ما الذي في الثورة الحمقاء قد أغراني
أو لم يكن خيرا لنفسي أن أرى مثل الجموع أسير في إذعان
ما ضرني لو قد سكت وكلما غلب الأسى بالغت في الكتمان
هذا دمى سيسيل مطفئا ما ثار في جنبي من نيران
وفؤادي الموار في نبضاته سيكف من غده عن الخفقان
والظلم باق لن يحطم قيده موتى ولن يودي به قربان
ويسير ركب البغي ليس يضيره شاة إذا اجتثت من القطعان
هذا حديث النفس حين تشف عن بشريتي وتمور بعد ثوان
وتقول لي إن الحياة لغاية أسمى من التصفيق للطغيان
أنفاسك الحرى وان هي أخمدت ستظل تغمر أفقهم بدخان
و قروم جسمك وهو تحت سياطهم قسمات صبح يتقيه الجاني
دمع السجين هناك في أغلاله ودم الشهيد هنا سيلتقيان
حتى إذا ما أفعمت بهما الربا لم يبق غير تمرد الفيضان
ومن العواصف ما يكون هبوبها بعد الهدوء وراحة الربان
إن احتدام النار في وجهه أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات ينزل بعده سيل يليه تدفق الطوفان
فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا أقوى من الجبروت والسلطان
أنا لست أدري هل ستذكر قصتي أم سوف يعدوها رحى النسيان
أو أنني سأكون في تاريخنا متآمرا أم هادم الأوثان
كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في إمكاني
لو لم أكن في ثورتي متطلبا غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة لا قيد لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان
فإذا سقطُت سقطُت أحمل عزتي يغلى دم الأحرار في شرياني
أبتاه إن طلع الصباح وأضاء نور الشمس كل مكان
واستقبل العصفور بين غصونه يوما جديدا مشرق الألوان
وسمعت أنغام التفاؤل ثرة تجرى على فم بائع الألبان
واتى يدق- كما تعود- بابنا سيدق باب السجن جلادان
و أكون بعد هنيهة متأرجحا في الحبل مشدودا إلى العيدان
ليكن عزاؤك يا أبي أن هذا الحبل ما صنعته في هذى الربوع يدان
نسجوه في بلد يشع حضارة و تضاء منه مشاعل العرفان
أو هكذا زعموا وجئ به إلي بلدي الجريح على يد الأعوان
أنا لا أريدك أن تعيش محطما في زحمة الآلام والأشجان
إن ابنك المصفود في أغلاله قد سيق نحو الموت غير مدان
فاذكر حكايات بأيام الصبا قد قلتها لي عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نشيج أمي في الدجى تبكى شبابا ضاع في الريعان
وتكتم الحسرات في أعماقها ألما تواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفح عنى إنني لا ابتغى منها سوى الغفران
مازال في سمعي رنين حديثها ومقالها في رحمة وحنان
بني إني قد غدوت عليلة لم يبق لي جلد على الأحزان
فأذق فؤادي فرحة بالبحث عن بنت الحلال ودعك من عصيان
كانت لها أمنية ريانة يا حسن آمال لها وأماني
غزلت خيوط السعد مخضلا وما كان انتفاض الغزل في الحسبان
و الآن لا أدري بأي جوانح ستعيش من بعدى أم بأي جنان
هذا الذي سطرته لك يا أبى بعض الذي يجرى بفكر عان
لكن إذا أنتصر الضياء ومُزقت بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويُكبر همتي من كان في بلدي حليف هوان
والى لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان