Select ratingضعيفمقبولجيدجيد جداًممتاز
ضعيفمقبولجيدجيد جداًممتاز Aug 19 2010
يقول عنه "القرضاوي": كان سلفي الروح صوفي القلب لا صوفي الطريقة
كان من المناهضين للتشدد، عُرف بتجديد الفكر الإسلامي، وقد تسببت انتقاداته للأنظمة الحاكمة في العالم في العديد من المشكلات له؛ سواء أثناء إقامته في مصر أو في المملكة العربية السعودية.
الشيخ "محمد الغزالي" واحد من كبار رجال الإصلاح، مجاهد في ميدان الدعوة، نذر حياته للدعوة والإسلام، وسخّر قلمه وفكره لشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه.
يقول عنه الدكتور يوسف القرضاوي: "هو رجل دعوة من الطراز الأول، كانت الدعوة لُحمته وسُداه ومصبحه وممساه وحلم ليله وشغل نهاره".
وهبه الله فصاحة وبياناً وبلاغة يجذب من يجلس إليه، ويأخذ بمجامع القلوب، فتهوي إليه مشدودة بصدق اللهجة، وروعة الإيمان ووضوح الأفكار وجلال ما يُعرض من قضايا الإسلام.. ولم تكن بضاعة الغزالي هي لسانه فحسب؛ فقد كان الغزالي رجل إصلاح عالماً بأدواء المجتمع الإسلامي في شتى ربوعه، أوقف حياته على كشف العلل، ومحاربة البدع وأوجه الفساد، في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء، يجهر بما يعتقد أنه صواب دون أن يلتفت إلى سخط حكام أو غضب محكومين، يحرّكه إيمان راسخ وشجاعة مطبوعة، ونفس مؤمنة.
يهدي الله لنوره من يشاء
تشرفت قرية "نكلا العنب" التابعة لمحافظة البحيرة بمولد الشيخ الجليل، تربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن وهو في العاشرة، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الابتدائي الديني، ثم حصل على الثانوية الأزهرية، وانتقل للعيش في القاهرة ليلتحق بكلية أصول الدين، وفي أثناء ذلك اتصل بالشيخ حسن البنا وتوثقت علاقته به، وأصبح من المقربين إليه، حتى أن الشيخ البنا طلب منه أن يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين" لِمَا رأى فيه من الثقافة والبيان؛ فظهر أول مقال له وهو طالب في السنة الثالثة بالكلية، ثم ظهر صيته في الخُطَب في مساجد القاهرة، وقد تلقّى العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني, والشيخ محمود شلتوت, والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى وغيرهم من علماء الأزهر الشريف.
وبعدها سافر إلى الجزائر في بداية الستينيات للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بـ"قسنطينة"، ونال العديد من الجوائز منها جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1989 قبيل وفاته.
لم يلبث وهو في حداثة سنه أن ظهرت مؤلفاته مطبوعة مثل "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" وكتاب "الإسلام والمناهج الاشتراكية" و"الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين".
مع الله بين الناس
وقد تضمنت كتبه عناصر الإصلاح وتجديد الدعوة للإيمان بالله وتعميق اليقين بالآخرة، والدعوة إلى العدل الاجتماعي، ومقاومة الاستبداد السياسي، وتحرير المرأة من التقاليد الدخيلة، ومحاربة التديّن المغلوط، والدعوة إلى التقدم ومقاومة التخلف، وتنقية الثقافة الإسلامية، والعناية باللغة العربية.
يقول عنه الشيخ القرضاوي: "كان أشعري النفس سلفي الروح صوفي القلب لا صوفي الطريقة"، وكان الشيخ الغزالي يعيش مع القرآن فكان يُصَدِّر كُتُبه بهذه العبارة "في سبيل الله والمستضعفين" آخذاً من الآية: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} مبدأ قرآنياً.
وردًّا على الذين يقولون "الدين أفيون الشعوب"، كوَّن الغزالي مع عدد من إخوانه العلماء الأزهريين جماعة تحت شعار "الدين في خدمة الشعب"؛ فقد كان يرى أن الدين في خدمة الشعوب؛ فأصدر كتابيه الأول والثاني تحت هذا الشعار.
ضريبة الحق واستعمار الثورة
لم يكن الحق يوماً سهل المنال؛ بل كانت له دائماً ضريبته التي تُدفع عاجلاً أو آجلاً، فكان ثمن هذه الزهوة الفكرية التي شهدها العالم الإسلامي على يد الإمام الغزالي، والتي كشفت نور الحق وخلعت سُتُر الباطل، يدفعه الشيخ في معتقل "الطور" -بعد اغتيال مؤسس جماعة "الإخوان" بتأييد ومباركة حكومية- وكان الشيخ الغزالي واحداً ممن امتدت لهم يد البطش، ومكث فيه ما قدّر الله عليه المكوث، ثم خرج أكثر حماساً وأشد صلابة في الدفاع عن الإسلام وبيان حقائقه؛ فأصدر كتابه "الإسلام والاستبداد السياسي" الذي انتصر فيه للحرية وترسيخ مبدأ الشورى، وعدّها فريضة لا فضيلة، وهاجم الاستبداد والظلم وتقييد الحريات.
وبعد قيام ثورة 1952، ونجاح قادتها في إحكام قبضتهم على البلاد، تنكّر الضباط الأحرار لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا ركيزة من ركائز الثورة واستقرارها، ودأبوا على إحداث الفتنة بين صفوفها، نتج عنها خلاف في الجماعة انتهى بفصل الغزالي وخروجه من حظيرتها.
وبرغم هذا الخلاف؛ فإن الغزالي لم ينتصر لنفسه على حساب رسالته؛ بل اتفق مع الجماعة على التعاون في خدمة الدعوة بعيداً عن نقاط الخلاف الداخلية ودون أن يكون أحد عناصر الجماعة.
ولن ينسى أحد للشيخ موقفه في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عُقد سنة 1962؛ حيث وقف وحده أمام حشود ضخمة من الحاضرين يدعو إلى استقلال الأمة في تشريعاتها، والتزامها في التزيِّي بما يتفق مع الشرع، وكان لكلام الغزالي وقعه الطيب في نفوس المؤمنين الصامتين؛ فهاجمته أقلام الفتنة، وسلّطت سمومها على الشيخ الأعزل، وخرجت جريدة "الأهرام" عن وقارها وسخرت من الشيخ في استهانة بالغة؛ حتى خرجت الجماهير في مظاهرات حاشدة من الجامع الأزهر، وتجمّعت عند جريدة الأهرام لتثأر لكرامتها وعقيدتها ولكرامة أحد دعاتها ورموزها؛ مما اضطر جريدة الأهرام إلى تقديم الاعتذار.
ويوم أن أعلنت الدولة عن نيتها في تغيير قانون الأحوال الشخصية بما يخالف -في بعض موادها- الشرع الحكيم الذي هو الأساس الأول في الدستور؛ قال الشيخ فيها كلمته؛ فأغضب أهل السياسة؛ فضُيّق عليه وأُبعد عن جامع عمرو بن العاص، وجُمّد نشاطه في الوزارة، فاضطر إلى مغادرة مصر إلى العمل في جامعة "أم القرى" بالمملكة العربية السعودية، وظلّ هناك سبع سنوات لم ينقطع خلالها عن الدعوة إلى الله، في الجامعة أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.