الأقصى في خطر
د. علي بن عمر بادحدح
الخطبة الأولى:
وصية الله للأولين والآخرين تقواه في كل آن وحين { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } [النساء : 131].
هنا الجرائم بكل صورها حاصلة والمعركة بكل أسلحتها قائمة والحرائق في كل زاوية مشتعلة والجرائم بكل ألوانها منظورة في مشهد يدوم عقوداً لا أعواماً وبصورة معلنة غير مستترة وبإصرارٍ مستمر ليس فيه تراجع وفي أمرٍ من أعظم الأمور وقضية هي أكبر القضايا ومسألة هي جوهر المسائل ومع ذلك كله فإن المعني بالأمر وهم جمهور غفير أعداده يتجاوز مئات الملايين إلى الآلاف في حاله بصورة عامة غفلة لا يقظة وتراجع لا تقدم ونسيان وربما نكران.
عم نتحدث، تفكرون هل جد جديد، هل هناك حدث يقتضي مثل هذه التقدمة! ثمة أمر وقع ونحن نفكر هو ذا أو ذاك وأقول ليس شيء من هذا أبدا بل كل هذا يحصل باستمرار ودوام ويقتضي منا ألا ننتظر أمراً لنحدث توعية أو لننادي بصرخة وشعارنا الذي نطلقه في هذا المقام بادر قبل أن تغادر، بادر دون انتظار لأحداث تحركك وقتاً قصيراً ثم تعود لغفلتك، بادر دون انتظار مزيد من الجرائم التي تستهدف العقيدة والإسلام والإيمان والمقدسات ونحن في غفلة ساهون، بادر فالأقصى في خطر.
حملة أعلنت قبل نحو 3 أو 4 أيام وكما قلت ستسألون لماذا؟! هل هناك جديد! أقول بادر لأن القدس ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الاحتلال منذ 43 عاماً، فهل نحتاج إلى صرخة خاصة بعد هذه الحقيقة؟! بادر لأن التهويد مستمر على قدر وساق في كل يوم وليلة وبكل صورة ومعنى ويهدف إلى تغيير جذري كامل يمسح ويمسخ كل ما هو إسلامي وعربي في هذه المدينة المقدسة عندنا معاشر المسلمين بحلول عام 2020 أي بعد أقل أو نحو 10 أعوام.
بادر لأن الميزانيات التي يرصدها الصهاينة اليهود لتهويد القدس وتعميرها كما يقولون تبلغ كل عام ملياراً وتسعة عشر مليون دولار، بادر لأن هناك عشرات من المؤسسات الصهيونية في دول العالم كلها تعمل من أجل هذا التهويد وتغيير كل معالم الإسلام وتهدف إلى تقويض مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة الهيكل المزعوم وواحدة منها في مشروع واحد لتهجير أو تغيير ضاحية السلوان المجاورة للمسجد الأقصى تدفع 15 مليون دولار في العالم لكي تغذ الخطى نحو تلك الأهداف.
بادر لأن هذه الخطط التهويدية معلنة للعالم كله منذ نحو 6 سنوات ليس فيها شيء مخفي، بادر لأن رجل صهيونياً واحداً يتبرع في مشروع واحد لتهويد القدس بأكثر من 250 مليون دولار، بادر لأن الجامعات الصهيونية والباحثين والأكاديميين لديهم أهداف وخطط يتعاونون عليها لإقامة تاريخ جديد مزور يطفون عليه صبغة العلمية والأكاديمية ليكون الجميع في صف واحد لهذه الجرائم النكراء.
بادر لأن هناك معاهد عمرانية أسستها تلك الحكومات الصهيونية لتصمم وقد أنهت ذلك بالفعل تصميماً معمارياً جديداً يمسخ ويُنسي كل شيء سابق له بالكلية.
هل نحتاج إلى حدث جديد! هل نحتاج إلى أنفاق جديد تحفر لا من أجل الغذاء والدواء في غزة المحاصرة بل تحت المسجد الأقصى الذي يتم الحفر فيه بموجب الآلات والمعدات الواضحة والقرارات المساندة بقرارات المحاكم العليا والأعين عن ذلك معمية وهي تبحث بكل دقة ودأب في شريان الحياة تحت الأرض لمليون ونصف من ابناء الإسلام المرابطين في فلسطين.
بادر فهل تحتاج إلى المزيد! دعني أخطابك أنت وحدك لا تنظر إلى العلماء، لا تبحث عما يفعل الحكام، لا تلقي بالمسؤولية على الجمعيات، أقول لك بادر لأن غالبية كبيرة في سبات عميق ولن يستيقظوا إلا إذا استيقظت أنت وأيقظت من حولك. بادر لأن أمتنا العربية بلملياراتها الضخمة، وإمكانياتها العظيمة، وعالمنا الإسلامي بكل قدراتها لا يدخل إلى هذه المدينة المقدسة لدعم صمود أهلها وقيام المشروعات فيها سوى 40 مليون دولار لا تمثل حتى تبرع صهيوني واحد من أولئك الأثرياء في شرق العالم أو غربه.
بادر لأن جامعاتنا ومدارسنا لا تدرس شيئاً مذكوراً عن القدس وتاريخها، عن الأقصى وارتباطه بعقيدتنا بآيات كتبانا، بأحاديث رسولنا، بمسيرة تاريخنا، بحضارة أمتنا، بالأعراق التي امتزجت كلها تحت ظلال الإسلام فإذا الفاتح عمر بن الخطاب القرشي وإذا بالمجاهد نور الزنكي، وإذا بالمحرر صلاح الدين الكردي، وإذا بكل أهل الإسلام بكل الأعراق والأجناس أمة واحدة تنتصر لدينها وتنتفض لمقدساتها وتسعى لإعزاز وإعلاء رايتها.
بادر لأن إعلامنا مشغول بالغناء والرقص ومتابعة وتحليل أدق الحركات والسكنات، في كل المسابقات والمباريات حتى إن أبناءنا وأجيالنا يعرفون من ذلك أكثر مما يحفظ بعضهم من آيات كتاب الله وليس مما يعرف عن قضية فلسطين والقدس والأقصى.
بادر لأن مغيضون بهذه الوسائل المختلفة، هل ننتظر حرباً؟ إنها قائمة بالفعل، هل ننتظر جريمة كبرى؟ إنها على مدار الساعة تتكرر كل يوم كل لحظة كل ساعة، متى سنبادر؟ هل ننتظر حتى تقع الكوارث الكبرى والعوائم والفجائع؟ وما الذي سيحصل بعد ذلك، إن الميت لا يمكن إحياؤه وإن النائم حينئذ لا ينفع إيقاظه لأن الأمور تتفارط ولأن مسيرة الأعداء تتقدم كل يوم خطوات لا خطوة واحدة.
وهنا دعوني أنقل الأزهى لكم فأقول أليس هذا الذي نتحدث عنه هو الذي نقرأه ونحن ننتظر الصلوات ونتلو الآيات { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [الإسراء : 1] كيف نقرأ هذه الآيات؟ أين نضع من الأعراب هذه الأسماء والمواقع؟ كيف نفهم هذه الدلالات والبركة والآيات؟ كيف نستعيد ما ثبت به الأحاديث الصحيحة في رحلة الإسراء والمعراج وبعض التواريخ التي تذكر في هذا مرت قريباً في شهرنا الماضي.
أليس هذا الموقع وهذه الأرض وتلك المقدسات مذكورة بالبركة في آيات كثيرة على مر ارتباط الرسل والأنبياء { الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [الأنبياء : 71] خوطب بها إبراهيم وذكرت للوط وذكرت في سياق ذكر سليمان وداود عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.
هي الأرض التي أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أليست هي التي يقول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا! أليس هو الموضع الذي أم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل الله وأنبياءه! هل نعرف هذا أو لا نعرفه! وهل معرفتنا له ستكون حجة لنا أو علينا! وهل لا يكون في قلوبنا أسى وحزناً وفي نفوسنا ألماً ونحن نقرأ هذه النصوص ونعرف الواقع دون أن يحصل هم وغم دون أن تذرف دمعة دون أن ترفع دعوة دون أن تكون هناك حركة، هل ماتت القلوب؟ هل عميت الأبصار؟ هل صمت الآذان؟ هل نسينا التاريخ؟ هل غابت ووئدت الحمية في قلوبنا ونحن نعرف أن المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا مس الأذى مسلم واحد تحرك له وحرك من وراءه.
ونحن نمضي فنمضي ونمضي فنجد الأمور أكثر وأكثر فيما تلزمنا به، فيما تجعله أمراً لا بد أن يحيط بنا من كل جانب فهذا حديث ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإمام أحد في مسنده وغيره تذكر أن رجلٌ جاء فقاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفتنا يا رسول الله في بيت المقدس قال: ائتوه فصلوا فيه، فقال الرجل بعد ذلك أرأيت يا رسول الله إن حيل بيننا وبينه، قال: ولو أن تبعثوا زيتاً فتضيئوا أو فتشعلوا قناديله. لابد أن تبقى الصلة دائمة لا ينقطع الواجب لا ينبت العون لا تتوقف الصلة ذلك هو ما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهو الذي أخبر في حديث عوف بن مالك أعدد 6 بعد موتي وذكر في أولها فتح بيت المقدس، هذه كلها وغيرها كثير هذه حملة جاءت مباشرة في أعقاب ما يسمى عند الصهاينة اليهود ذكرى معبد الخراط، وهي تأتي لتمتد إلى أكثر من شهر إلى نهاية شهر رمضان حيث تمر في أثنائه وفي المنتصف منه تقريباً ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك قبل تلك الأعوام المتطاولة.
وتمر الأحداث ولا أكاد أبحث إلا وأجد في كل يوم أمراً وحدثاً جللاً قد وقع في أرض فلسطين عموماً وفي القدس والأقصى خصوصاً، وتقرير منشور مطبوع مبثوث على الشبكة العنكبوتية عين على الأقصى يرصد كل صغيرة وكبيرة وكل حركة وسكنة ليوقظ الأمة ومع ذلك فأجزم أن أكثرنا لا يعلم به ومن يعلم به فإن الأكثرية منهم لم يقرءوه ومن قرأه لم يتمعن فيه أو لم يعتبر به.
أحداثه خلال عامين كم هي المضاعفة الهائلة في الجهد الصهيوني نحو الأهداف الإجرامية في تهويد القدس والاستيلاء على الأراضي وتهجير الأهالي وجعل العيش فيها جحيماً لا يطاق فضلاً عن استهداف المسجد الأقصى ويكفي أن أشير إلى أنه بالفعل قد أقيمت تحت المسجد الأقصى وبنائه أكثر من 33 نفقاً معروفة وغيرها غير معروف وفيها أبنية واستعدادات وهياكل أو مباني لمعابد فضلاً عن أن الحركة والوتيرة تتزايد مشروع بناء المدينة اليهودية المقدسة معتمد رسمياً والمتطرفون هم الذين يديرون الأماكن التي يسمونها مقدسة لملاصقة المسجد الأقصى وحتى لا يقال إن هناك فوارق فثمة إحصائية واستفتاء قامت به إحدى أكبر الصحف الصهيونية عن بناء الهيكل المزعوم وإليكم النتائج التأييد كنسبة عامة 64% يؤيدون ويطالبون أما في الفئة المتدينة فالنسبة بلغت 98.5% يطالبون ويسعون ويعملون، أما فيما يسمونهم بالعلمانيين اليهود فالنسبة بلغت 47% وعلى المستوى العام بكل التصنيفات النسبة 91% أخشى لو أننا عملنا استفتاءً في بعض بلادنا العربية والإسلامية أن نجد صدمة أعظم من صدمة هذه الأرقام.
والأمر متماسك في كل جوانبه المحكمة العليا تصدر أحكاماً بأن جبل الهيكل قدس مقدس عند اليهود وهو قلب دولة الكيان الصهيوني وجزء لا يتجزأ من أراضيها حكم صادر في عام 2000 وفي عام 2003 حكم بالسماح لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه لليهود وأما في 2005 فقرار يسمح للجماعات المتطرفة ومنها جماعة أمناء الهيكل بأن تدخل إلى المسجد الأقصى وتتعبد فيه والمشروع المعتمد أي بلدية القدس الصهيونية أي البلدية الصهيونية ميزانيته 400 مليون وقد بدء بـ15 مشروعاً تسعة منها تستهدف المسجد الأقصى ومدته 6 سنوات تنتهي في عام 2014 أي لم يبقى إلا القليل، فهل ستبادر أم ستعرض وتغادر هل ستبادر لأن هذا دينك ولأن هذا ما تقرأه في قرآنك ولأن هذا ما يربطك بمسرى رسولك صلى الله عليه وسلم ولأن هذا ما يذكرك بالفاروق رضي الله عنه ولأن هذا ما يجعلك تنظر إلى عظمة صلاح الدين رحمه الله أم أنك ستكون مع الغافلين.
أسأل الله أن يردنا وإيمانكم إلى دينه رداً جميلا وأن يحيي بالإيمان قلوبنا وأن يبث الحمية والغيرة لدينه في نفوسنا وأن يرزقنا العمل والجهاد في سبيل نصرة دينه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية:
أخوة الإيمان شعارها { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات : 10] ونصرة الإسلام عنوانها (المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله) كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم .
وحري بي قبلكم مع كل هذا الذي أوجزت القول فيه أن نطأطئ رؤوسنا خجلاً وأن نبكي على أحوالنا ألماً فهل هذا هو الذي نريده لئن كان ذلك فإنه قليل من كثير ولعلي أستحضر أيضاً شيئاً من هذا الألم ونحن نرى ضعفنا في أمور كثيرة فيما تخص أحوالنا الفردية ولعلي أشير هنا إلى مقامنا هذا وجمعتنا هذه والقادمون إليها مبكراً أجزم أنهم بالعدد بكل المبالغة لا يصلون إلى 20% والقادمون في آخر القول والحديث يصلون إلى أكثر من ذلك. ولست هنا بصدد إلا عن هذه الحالة كمظهر من مظاهر ضعفنا.
وانتقل مرة أخرى إلى هذه الحملة (بادر الأقصى في خطر) حملة صاحبتنا بعض المؤتمرات الصحفية وهي مستمرة بتقارير مطبوعة ومكتوبة ومنشورة على الشبكة العنكبوتية، أسأل نفسي ما الذي نعمله أقول على أقل تقدير أن نروج لهذا المعنى ولما يشتمل عليه من كل الأهداف والمواد والمعلومات والتقارير والصور والخطوات العملية المذكورة في ذلك.
على أقل تقدير أن نعرف ونقرأ ونطلع وعيبنا أن كل ذلك يجري ونحن عنه منشغلون المعلومات الصور الخرائط التقارير القرارات الصادرة عن الكيان الصهيوني كلها منشورة مذكورة بل الجرائم معلنة ومصورة.
على أقل تقدير وهو الأمر الثالث أن نبث ذلك في محيطنا الأسري العائلي الواسع وفي أبنائنا وبناتنا على وجه الخصوص هل في بيتك صورة معلقة للمسجد الأقصى وعليها الآية القرآنية لتذكرك بذلك هل هناك معلومات وتقارير تجعلها على لوحة داخل الصالة التي تجتمع فيها الأسرة هل هناك يذكرك ويربطك أنت وأسرتك بذلك؟ ألا تأتي بشيء من كتب لكي تجعل الثقافة والمسابقات بين الأبناء موجهة وذات هدف يربطهم بدينهم وبأمتهم وبقضاياهم وبمعرفة هويتهم أم أننا نغذ الخطى كسالى نائمون نبحث يمنة ويسرة في أمور لا تنفع وقد تضر ولا تنفع، والأمر كما قلت في هذا يطول ومن أراد العمل فإن إرادته الجازمة العازمة ستجد ألف طريق لألف وسيلة من وسائل العمل قلت أو كثرت ولا أقل من أمر لا يعجز عنه أي أحد وأعلم أننا جميعاً في الغالب وأنا منكم لا نفعله أن نجعل في كل يوم دعاءً لمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريره من رقه وتخليصه أو تطهيره من دنسه، أو نجعل ذلك الدعاء في كل صلاة من صلواتنا حتى يبقى على الأقل هذا الذكر في قلوبنا وهذا الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى كأننا في حزن وأسى كأننا في متابعة واتصال لسنا منبتين عن ديننا وعن مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم.
الأمر يطول والحملة مستمرة وقد وجدتها فوجدت أن الحديث عنها والتذكير بها والمطالبة بنشرها مطلب أحسب أنه يصب في صميم ما نحتاج إليه من تحقيق أخوة الإيمان ونصرة الإسلام.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يطهر المسجد من دنس ورجس اليهود الغاصبين وأن يرزقه وأن يطهره بجند كجند صلاح الدين وأن يجعلنا في هذا السبيل من العاملين.